سورة يوسف - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(25)}
وعرفنا أن كلاهما حاول الوصول إلى الباب قبل الآخر؛ وتسابقا في هذا الاستباق، ونلحظ أن الحق سبحانه يذكر هنا باباً واحداً؛ وكانت امرأة العزيز قد غلَّقَتْ من قبل أكثر من باب.
لكن قول الحق سبحانه: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الباب} [يوسف: 25].
يدلنا على أنها لحقتْ بيوسف عند الباب الأخير؛ وهي قد استبقتْ مع يوسف إلى الأبواب كلها حتى الباب الأخير؛ لأنها تريد أن تغلق الباب لتسد أمامه المنفذ الأخير، وهذا الاستباق يختلف باختلاف الفاعل فهي تريده عن نفسه، وهو يريد الفرار من الموقف، ثم قدَّتْ قميصه من دُبر.
هذا دليل على أنه قد سبقها إلى الباب؛ فشدَّته من قميصه من الخلف، وتمزَّق القميص في يدها، وقد محَّص الشاهد الذي هو من أهلها تلك المسألة ليستنبط من الأحداث حقيقة ما حدث.
وقوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الباب} [يوسف: 25].
أي: حدثت لهما المفاجأة، وهي ظهور عزيز مصر أمامهما؛ وصار المشهد ثلاثياً: امرأة العزيز؛ ويوسف؛ وزوجها.
وهنا ألقت المرأة الاتهام على يوسف عليه السلام في شكل سؤال تبريري للهروب من تبعية الطلب، وإلقاء التهم على يوسف: {قَالَتْ مَا جزاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سواءا} [يوسف: 25].
ثم حددت العقاب: {إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف: 25].
ويأتي الحق سبحانه بقول يوسف عليه السلام: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ} [يوسف: 26].
وهنا وجد عزيز مصر نفسه بين قوليْنِ مختلفين؛ قولها هي باتهام يوسف؛ وقوله هو باتهامها، ولابد أن يأتي بمَن يفصِل بين القولين، وأن يكون له دِقَّة استقبال وفَهْم الأحداث.
ويتابع الحق سبحانه: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي...}.


{قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ(26)}
وتأتي كلمة (شاهد) في القرآن بمعانٍ متعددة.
فهي مرَّة تكون بمعنى (حضر)، مثل قول الحق سبحانه: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين} [النور: 2].
وتأتي مرَّة بمعنى (علم)، مثل قوله سبحانه: {وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81].
وتأتي «شهد» بمعنى (حكم وقضى) أي: رجَّح كلاماً على كلام لاستنباط حق في أحد الاتجاهين. والشاهد في هذه الحالة وَثّق القرآنُ أن قرابته من ناحية المحكوم عليه، وهو امرأة العزيز، فلو كان من طرف المحكوم له لَرُدَّتْ شهادته.
وهكذا صار الموقف رباعياً: امرأة العزيز، ويوسف، وعزيز مصر، والشاهد، وحملت الآية نصف قول الشاهد: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ} [يوسف: 26].
لأن معنى هذا والواقع لم يكن كذلك أن يوسف عليه السلام وهو مَنْ أقبل عليها؛ تدلَّى منه ثوبه على الأرض، فتعثر فيه، فتمزَّق القميص. ويتابع الله قول الشاهد: {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ..}.


{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ(27)}
أي: أن قميص يوسف عليه السلام إن كان قُدَّ من الخلف؛ فيوسف صادق، وامرأة العزيز كاذبة.
ونلحظ أن الشاهد هنا قال هذا الرأي قبل أن يشاهد القميص؛ بل وضع في كلماته الأساس الذي سينظر به إلى الأمر، وهو إطار دليل الإثبات.
وهذا ما تشرحه الآية التالية، فيقول سبحانه: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ...}.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12